.

كيف نشأ الشرك على الأرض

 

 

 

لو تأملت كيف نشأ الشرك على الأرض

 .. لوجدت أنه الغلو في الصالحين
ورفعهم فوق منزلتهم

 ..
ففي قوم نوح .. كان الناس موحدين .. يعبدون الله وحده لا شريك له
ولم يكن شرك على وجه الأرض أبداً .

وكان فيهم خمسة رجال صالحين .. هم وُد وسواع ويغوث ويعوق ونسر ..

وكانوا يتعبدون ويعلمون الناس الدين .. فلما ماتوا حزن عليهم قومهم .. وقالوا :
ذهب الذين كانوا يذكروننا بفضل العبادة .. ويأمروننا بطاعة الله ..
فوسوس الشيطان لهم قائلاً : لو صوّرتم صورهم على شكل تماثيل .. ونصبتموها عند مساجدكم .. فإذا رأيتموهم ذكرتم العبادة فنشطتم لها .
فأطاعوه .. فاتخذوا الأصنام رموزاً . لتذكرهم بالعبادة والصلاح..!..
فكانوا يرون هذه الأصنام فيتذكرون العبادة .. ومضت السنين .. وذهب هذا الجيل

ونشأ أولادهم من بعدهم .. وكبروا وهم يرون آباءهم يثنون على هذه التماثيل والأصنام .. ويعظمونها .. لأنها تذكرهم بالصالحين .
ثم نشأ قوم بعدهم .. فقال لهم إبليس : إن الذين كانوا من قبلكم كانوا يعبدونها .
وكانوا إذا أصابهم قحط أو حاجة لجئوا إليها فاعبدوها.
. فعبدوها .. حتى بعث الله إليهم نوحاً عليه السلام .. فدعاهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ..
فما آمن معه إلا قليل .. فغضب الله على الكافرين فأهلكهم بالطوفان .

هذا ما حدث في قوم نوح عليه السلام .

فكيف نشأ الشرك في قوم إبراهيم ؟

كانوا يعبدون الكواكب والنجوم .. ويرون أنها تتحكم في الأكوان .. تكشف الكربات .. وتجيب الدعوات .. وتهب الحاجات ..
يعتقدون أن هذه الكواكب ( وسطاء ) بين الله وخلقه ..
وأنهم موكول إليهم تصريف هذا العالم .

ثم لم يلبثوا أن صنعوا أصناماً على صور الكواكب والملائكة .
وكان أبوه يصنع الأصنام فيعطيها أولاده فيبييعونها . وكان يلزم إبراهيم للخروج لبيع الأصنام ..
فكان إبراهيم ينادي عليها : من يشتري ما يضره ولا ينفعه ؟

فيرجع إخوته وقد باعوا أصنامهم .. ويرجع إبراهيم بأصنامه كما هي .
ثم دعا أباه وقومه إلى نبذ هذه الأصنام .. فلم يستجيبوا له
فحطم أصنامهم .. فحاولوا إحراقه فأنجاه الله من النار

. هذا حال قوم نوح وإبراهيم .

أخي الكريم .

لقد عاد شرك قوم نوح وقوم إبراهيم في هذا العصر وبرداء جديد !!

فلو رأيت النساء والرجال اليوم عند قبور الأولياء من الأئمة والصالحين … وقد خشعت قلوبهم وذلت رقابهم وطأطأت رؤوسهم في ذلة وانكسار وبكاء وإلحاح وإصرار … رافعين أكف الضراعة إلى قاضي الحاجات ومجيب الدعوات ومغيث اللهفات … وهو يهز شباك الضريح … يندب ويصيح جئتك قاصدا فلا تخذلني وطالبا فلا تردني … منك أريد مرادي ومن غيرك فلا …
ولو أدرت البصر ذات اليمين وذات الشمال لأبصرت من الأحوال والأقوال ما تكاد تنشق له الأرض وتخر له الجبال هدا …
فهذه تصرخ في الشباك هناك … يا أبى الحسن انقطعت الأسباب ، وعجز الطب والطبيب ، وغلقت دوني الأبواب ، ولك عليّ القربان العظيم ، وما أطلب منك إلا الولد ، وإياك أدعوا يا لاهوت الأبد… ؟!

وتلك تدعو يا أبى فاضل لقد طالت الأيام وتباعد بي الزمان أسألك الزواج في العاجل قبل الآجل ولك عليّ الدهر كله … ؟!

وأخرى تطلب الرزق والجاه ، وآخر يطلب كشف الضر بعاجل الشفاء …

وهم يتهامسون بينهم … ؟ اطلب كل شيء فهو يعطي الحاجة .. وادعوه على من شئت فإنه ينتقم بالحال .. كما إنه يقصم كل طاغية وجبار دون تأخير ؟

ويسطرون لذلك الحكايات والقصص يحفظها الصغار والكبار !!!!!

حـدّث الشيخ العلامة عبد الله بن جبرين فقال :

كنت على صعيد عرفات .. والناس في بكاء ودعوات .. قد لفوا أجسادهم بالإحرام .. ورفعوا أكفهم إلى الملك العلام
وبينما نحن في خشوعنا وخضوعنا .. نستنزل الرحمات من السماء
لفت نظري شيخ كبير .. قد رق عظمه .. وضعف جسده .. وانحنى ظهره .. وهو يردد :
يا شيخ فلان .. أسألك أن تكشف كربتي .. اشفع لي .. وارحمني ..
ويبكي وينتحب .
فانتفض جسدي .. واقشعرّ جلدي .. وصحت به : اتق الله .. كيف تدعو غير الله !!
وتطلب الحاجات من غير الله !! كيف تدعو عبدٌ مملوكٌ .. لا يسمعك ولا يجيبك ..
ادعُ الله وحده لا شريك له .

فالتفت إليَّ ثم قال : إليك عني يا عجوز .. أنت ما تعرف قدر الشيخ فلان عند الله !!..
أنا أؤمن يقيناً أنه ما تنزل قطرة من السماء . ولا تنبت حبة من الأرض إلا بإذن هذا الشيخ !!

قلت له : سبحان الله .. وماذا أبقيت لله ؟!

ولعمر الله إن هذا لهو الضلال البعيد والشرك الذي حرمه الله عز وجل وحرم الجنة على أهله حتى يتوبوا إلى الله بالتوحيد ..
قال تعالى :
( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار )

وكتب على أهله أن لا يغفر لهم فقال :
( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما )

وضرب في ذلك الأمثال فقال :
( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون )

فبالله عليك ما الفرق بين من يعبد حجراً . ومن يعبد قبراً .
بين من ينزل حاجاته بأصنام .. ومن ينزلها برفات وعظام ..
بين من يتعبد لقبور الأولياء .. ومن يتعبد لطين وماء
نعم كل هؤلاء يقولون : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى .

أولئك الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً

فحذار أخي الحبيب الذنب العظيم والظلم العظيم ، فالله جل وعلا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير …

ومهما نقبت في نعوت الأنبياء والأولياء والعظماء والحكماء والملوك والرؤساء أعييت نفسك ولم تجد له سميا …
وأتعبت عقلك ولم تدرك له شبيها سبحانه وتعالى عما يصفون …

ولا تكونن في زمرة الأشقياء الذين ورثوا الضلال والشقاء عن الأجداد والآباء الذين يقولون : ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) .

فيا صاحب الذنب الكبير ويا مسيء الظن برب العالمين ألا من توبة وأوبة ورجعة إلى الله الواحد القهار

فإن هذا الذنب العظيم والظلم العظيم ليس له إلا توبة من قلب صادق سليم يقول الله جل وعلا :
( والذين لا يدعون مع الله إلاها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ) ..